fbpx
تقديرات

اغتيال فقهاء: ثغرة أمنية أم حرب صامتة؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

شكّل اغتيال القائد في كتائب “عز الدين القسّام” الجناح المسلّح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مازن فقهاء، بنيران مجهولين يوم 24-3-2016م، في مدينة غزة، حالة من الصدمة في الشارع الفلسطيني. لأنها المرة الأولى منذ قرابة الـ 12 عاماً يلجأ الكيان الصهيوني لعميات “الاغتيال الهادئ” في تصفية قيادات المقاومة بعيدًا عن عمليات القصف العلني والحرب الشعواء التي اعتاد عليها وكان آخرها حرب 2014. هذه الحالة أثارت الكثير من البلبلة وتساؤلات كبيرة حول حالة الأمن والاستقرار في القطاع والتي نجحت “حماس” أن تضبطها منذ توليها مسئولية القطاع قبل 10 سنوات، فيما حملت حركة حماس في بيانٍ مقتضب لها الاحتلال الصهيوني مسئولية اغتيال أحد قياداتها وقالت “حركة حماس تعرف كيف تتصرف مع هذه الجرائم”.

 

من هو “مازن فقهاء”؟

من مواليد بلدة طوباس، شمالي الضفة الغربية، عام 1979، حصل على شهادة البكالوريوس في “إدارة الأعمال” من جامعة النجاح الوطنية، عام 2001م، وخلال فترة دراسته، التحق بكتائب “عز الدين القسّام”، الجناح المسلّح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وشارك فقهاء، في عدة عمليات، نفّذتها كتائب القسام، من بينها مهاجمة المستوطنين والجنود الصهاينة في منطقة “الأغوار ووادي المالح ومعسكر “تياسير” الصهيوني”، والمشاركة في الإعداد لعملية “عسكرية” عند مفرق “جات” قرب مستوطنة “جيلو” جنوبي القدس، في مايو/أيار 2002م، والتي قتل فيها 19 صهيونياً.

كما شارك في الإعداد لعملية أخرى قتل فيها 9 صهاينة، في مدينة صفد، وجاءت ردًا على اغتيال القائد في حماس “صلاح شحادة”. وفي أغسطس/آب 2002م، اعتقل جيش الاحتلال الصهيوني “فقهاء”، وتم الحكم عليه بتسع مؤبدات وخمسين عاماً. قضى منهم، 10 سنوات، حيث أُطلق سراحه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيوني عام 2011م، التي عُرفت باسم “صفقة شاليط”، وتم إبعادها إلى قطاع غزة.

ويعتبر مازن فقهاء، من ضمن الأشخاص الذين يضعهم الكيان الصهيوني على قائمة “التصفية” التي أعدّها جيش الاحتلال الصهيوني لعدد من محرري صفقة “شاليط”، نظراً لدوره في الإشراف على إدارة العمل العسكري “لحماس” في الضفة الغربية، وتجنيد العشرات من الخلايا الميدانية هناك، بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس الصهيونية، عام 2013.

 

كيف اغتيل فقهاء؟

كُشف النقاب عن بعض التفاصيل المتعلقة بعملية اغتيال القيادي في كتائب القسام مازن فقهاء.حيث أقدم مجهولون مساء يوم الجمعة 24-3-2016م، على اغتيال فقهاء داخل عمارة سكنية يقطن بها في حي تل الهوى غرب مدينة غزة. وفي تفاصيل أخرى عن الحادث، كشفت مصادر أن فقهاء وصل البرج السكني الذي يقطن فيه مع اقتراب الساعة السادسة مساءً من يوم الجمعة، وكانت زوجته وطفلاه برفقته، حيث ترجلوا من السيارة أمام باب البرج، وصعدوا إلى شقتهم السكنية بعد أن قضت العائلة ساعات خارج المنزل. وبعد أن دخلت عائلة الشهيد الفقهاء مبنى البرج السكني الذي تحيط به العديد من الأبراج في المنطقة ذاتها، أقدم فقهاء على إدخال سيارته إلى مرآب (كراج) السيارة أسفل العمارة، والذي يتم الدخول إليه بمنحنى إلى تحت الأرض قليلا من خلال باب يتم التحكم فيه الكترونيا. وعلى نقيض ما تم إعلانه بأنه اغتيل أمام باب البرج السكني الذي يقطن فيه، تبين لاحقًا أنه قُتل داخل سيارته بعد دخوله المرآب، بـ 4 رصاصات.

وتشير الوقائع حسب المصادر، إلى أن القاتل كان ينتظره بالداخل ونفذ عملية الاغتيال فورا دون انتظار، ودون وقوع أي اشتباكات. ووجد فيما بعد أن إحدى البوابات الخاصة بالبرج السكني كانت مفتوحة، رغم أن هذا الباب لم يفتح نهائيا منذ فترة طويلة، وذلك يظهر تحكم المنفذين للعملية بمنافذ البرج وتخطيطهم جيدا للعملية، وتنفيذها بشكل حرفي ودقيق دون ترك أي آثار.

وتشير المصادر إلى أنه “بعد مرور ما يزيد عن ساعة ونصف من الزمن، وجد أحد سكان البرج لدى دخوله المرآب، فقهاء مقتولا داخل سيارته، واستدعى الأمن الذي أحاطوا المكان وبدأوا بالإجراءات المتبعة لملاحقة القتلة الذين يعتقد أنهم يعملون لصالح الكيان الصهيوني، وجمعوا صورا من كاميرات تتبع لمحال وسكان في المنطقة لمعرفة هوية المنفذين أو أي معلومات تتعلق بالحادثة”.

 

محاولات سابقة:

يجب الاشارة في البداية إلى أن بصمات جهاز الموساد حاضرة في عملية اغتيال الشهيد مازن فقهاء، فالاسلوب مألوف في التاريخ الفلسطيني فقد اتبع الموساد الصهيوني نفس الاسلوب عند اغتيال الشهداء خليل الوزير “فتح” في تونس، وفتحي الشقاقي “الجهاد الاسلامي” في مالطا، ومحمد الزواري التونسي “حماس” في تونس. إضافة إلى عدة محاولات استهدفت المقاومة في غزة أهمها:

1- في عام 2007 قام مسلحون باختطاف القيادي في كتائب القسام مهاوش القاضي في مدينة رفح جنوب القطاع خلال عملية نفذتها قوة خاصة بمشاركة عملاء في عمق 5 كيلو مترات داخل المدينة، حيث اتهم حينها بأنه أحد المشاركين في عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، قبل أن يتم تحريره في صفقة الجندي ذاته عام 2011.

2-  في أواخر أيام عام 2012 لوحظ تحليق مكثف لطائرات “أباتشي” في مناطق غرب مدينة غزة، حيث كُشف فيما بعد عن محاولة صهيونية لاختطاف “زهير القيسي” أمين عام لجان المقاومة الشعبية التي شاركت في تنفيذ عملية خطف شاليط، إلا أن تلك المحاولة لم تكتمل، قبل أن يغتاله الاحتلال في وقت لاحق.

3- في عامي 2010 و2013 ضلع جهازي الموساد والشاباك معا في محاولتين، استهدفت الأولى قيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي لدى محاولة استدراجه وخطفه في سيناء إلا أن العميل الذي يعمل لصالح جهاز الشاباك فشل في استدراجه واعتقل لاحقا، والثانية نجحت باستدراج أحد نشطاء السرايا إلى مصر وتم اختطافه على يد عملاء الموساد والشاباك في شبه الجزيرة المصرية ولا زال معتقلا وهو الأسير وائل أبو ريدة من خانيونس.

4- في شهر نيسان من العام 2016 كشف النقاب عن أن قوة إسرائيلية خاصة بمساعدة عملاء نجحت في نصب حاجز على شاطئ بحر مدينة دير البلح وسط قطاع غزة قبل أن يكُتشف أمرها إلا أنها غادرت المنطقة، وقيل فيما بعد أنه عثر على ثلاثة أجهزة تجسس في مناطق حدودية من القطاع وتم تفكيكها من قبل المقاومة.

 

ما الجديد في عملية الاغتيال؟

الملفت في العملية هو استخدام كاتم الصوت وهذه المرة في قلب قطاع غزة تحديداً في منطقة تل الهوى، لتسجل اخفاقا في أداء المؤسسة الأمنية القسامية والتي تتمتع بثقة كبيرة لدي الشارع الفلسطيني. وحتى لا نجلد المنظومة الامنية للقسام، يجب الاقرار أن فرق الامكانيات الصهاينة التكنولوجية عالية ودقيقة وكبيرة، وفارقة عن القسام إلا أن القسام قد اعتاد الشعب الفلسطيني أنه، وبأقل الامكانيات، قادر على أن يقف للعدو الصهيوني بكل ندية وقوة، وهذا ما يتأمله الشارع الفلسطيني من القسام، خصوصا في ظل أنه الاختبار الاول لرئيس المكتب السياسي لحماس الرجل العسكري القوي كما يلقب “يحيي السنوار”.

 

توقيت العملية؟

جاءت عملية الاغتيال في ظل العديد من المتغيرات أهمها:

1ـ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمالية اندلاع حرب بين غزة والكيان الصهيوني، في اجراء مناورات عسكرية صهيونية مكثفة في الأيام الأخيرة، مما يشير إلى وجود رغبة صهيونية ليكون دم الشهيد هو شرارة الحرب.

2ـ فوز القائد العسكري “يحي السنوار” برئاسة المكتب السياسي لحماس، لتشكل عملية الاغتيال اختباراً حقيقياً له.

3ـ اغتيال الشهيد مازن فقهاء جاء بعد شهر من نشر تقرير يشير إلى فشل القيادة الصهيونية في إدارة حرب 2014م، إلى جانب استطلاعات رأي تؤكد انخفاض شعبية نتنياهو، وأن عمره السياسي أصبح قصيرًا خاصة في ظل اتهامات الفساد التي تلاحقه.

 

ردود الافعال الاولية على اغتيال مازن فقهاء:

الرد الفلسطيني:

1ـ الشعب الفلسطيني الصامد في غزة، عاش حالة من اللحمة الوطنية ومنح قيادات المقاومة ضوء اخضر باتخاذ القرار المناسب وأنه يجب الثأر لدماء الشهيد مهما كلف الثمن.

2ـ قيادات المقاومة الفلسطينية ومن كافة الفصائل الفلسطينية أكدت أن الرد قادم وأن كافة السيناريوهات مفتوحة.

3ـ اتهم قائد حماس خالد مشعل “الكيان الصهيوني” بتغيير “قواعد اللعب” بعد مقتل مسؤول رفيع في الحركة، وتعهد الانتقام، وأضاف نحن الآن في حرب مفتوحة مع دولة الكيان، وأكدت حركة “حماس”، على لسان نائب رئيس الحركة في قطاع غزة، خليل الحية، أن الكيان الصهيوني “هو من يقف خلف عملية اغتيال “فقهاء”.

4ـ قال مدير المخابرات الفلسطينية العامة “ماجد فرج”، التابع لسلطة الضفة، أنه لن يسمح لحماس بأن تنفذ عمليات ضد الصهاينة من الضفة الغربية انتقاما على لدماء الشهيد مازن فقهاء.

 

الرد الصهيوني على اغتيال مازن فقهاء:

قام الكيان بوضع قواته بالقرب من قطاع غزة في حالة تأهب قصوى، وطلبت سلطاته من المستوطنين الابتعاد عن حدود غزة قدر الامكان. إلى جانب إعلان حالة تأهب في الضفة الغربية. كما نشرت صحيفة “اسرائيل اليوم” صورة للشهيد فقهاء واضعة عليها شعار “تم الاغتيال”، كما تناولت الصحف الصهيونية صورة للشهيد يهمس رئيس حماس في غزة “يحيي السنوار” في أذنه متسائلة ماذا وعد السنوار الشهيد؟ واصفه السنوار بالرجل الخطير. كما طلب الكيان الصهيوني من مواطنيه مغادرة تركيا والأردن ومصر فورا. وفي حوار مع “ليبرمان” وزير الدفاع الصهيوني تطرق لنقطتين مهمتين الأولي أن الكيان الصهيوني غير قواعد الاشتباك مع حماس، والثانية “إسالوني في نهاية فترتي عن وعدي في اغتيال إسماعيل هنية”.

 

الرد الاقليمي على اغتيال فقهاء

يبدو أن التسارع الاقليمي نحو إقامة التحالفات مع “الكيان الصهيوني” جنب العديد من الدول العربية التدخل في الصراع الفلسطيني الصهيوني، وجعلتها تفضل الصمت حيال انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين لضمان بقاء العلاقات الطيبة بينهما.

سيناريوهات حماس:

هددت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الاحتلال الصهيوني، أنها لن تصمت على جريمة اغتيال الشهيد مازن فقهاء. وأضاف القسام في بيانه، “عهداً نقسمه أمام الله ثم أمام أمتنا وشعبنا بأن العدو سيدفع ثمن هذه الجريمة بما يكافئ حجم اغتيال شهيدنا القائد أبي محمد، وإن من يلعب بالنار سيحرق بها”.

وهنا تبرز عدة مسارات للرد الحمساوي:

1ـ الرد الأمني:أن يوضح القسام الخيوط الخفية في عملية اغتيال الشهيد فقهاء. سواء من خلال إلقاء القبض على الفاعلين إذا كانوا عملاء. أو تفكيك المسألة الأمنية المعقدة امام الشارع. لكي يحافظ القسام على صورته الأمنية القوية في ذهن المواطن الفلسطيني، وأن يقوم القسام بضرب العملاء سواء المعتقلين سابقاً، أو الكشف عن عملاء آخرين، سواء لهم صلة باغتيال فقهاء أو غير مرتبطين بذلك.

2ـ الرد الاستخباري:من خلال قيام القسام بتجنيد “عميل مزوج ” سواء من داخل غزة او الضفة الغربية، على أن يقوم باستهداف قادة أو ضباط في الجيش الصهيوني.

3ـ توسيع مجال الاستهداف للصهاينة:من خلال استهداف شخصية صهيونية وازنه في خارج نطاق فلسطين، من خلال الساحات الخارجية ودون إعلان رسمي أو تبني للعملية، وقد تلعب بعض الفواعل الإقليمية دوراً مساعداً في تنفيذ العملية.

4ـ انتقام قادم من الضفة الغربية:قد ينتقم القسام من خلال إحدى المجموعات التي نجح الشهيد فقهاء في تشكيلها في الضفة الغربية، بأن تُنفذ عملية عسكرية ناجحة سواء خطف أو عملية استشهادية أو إطلاق نار سواء في داخل الضفة الغربية أو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.

5ـ تنفيذ عملية إنزال بري من غزة:من خلال القيام بالتسلل عبر الأنفاق والوصول إلى داخل المستوطنات المحيطة بغزة مع استهداف جنود ومستوطنين.

6ـ تنفيذ عملية عبر البحر:قد تقوم قوات الضفادع البشرية التابعة لكتاب القسام بتنفيذ عملية بحرية،  وربما هذا ما يفسر لنا قرار جيش الاحتلال الصهيوني مضاعفة أعداد منظومة “القبة الحديدية” على متن الزوارق في عرض البحر لاعتراض الصواريخ.

7ـ حرب مباغتة:الاعداد لضربة عسكرية بحرية وبرية وبالصواريخ على أن تكون مفاجئة للكيان الصهيوني يحقق القسام من خلالها الأفضلية، وإلحاق خسائر بالعدو الصهيوني.

8ـ سيناريو حرب مفتوحة:قد تكون إحدى الخطوات السابقة بابا لاشتعال الحرب، وقد يكون هذا هدفاً صهيونياً بهذا التوقيت في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية التي في مجملها ضد المقاومة الفلسطينية.

 

ختاماً:

أمام كتائب “عز الدين القسّام”، الجناح المسلّح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) العديد من السيناريوهات والمسارات المستقبلية للرد على عملية اغتيال فقهاء، إلا أنها تتحسب لتداعياتها، واحتمالات “اندلاع حرب جديدة” غزة في غني عنها في هذا التوقيت، مما قد يجعل القسام ينتظر ويتريث إما لاختيار توقيت أفضل للانتقام أو الاعداد والتجهيز لمعركة قد تكون الأهم في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني (1).

———————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close